الـدرس التاسع

 
 

خُطْبَةُ أبي بَكْرٍ رضي اللّه عنه

 

   تكلّم أَبو بكر رضي اللّه عنه بعد أن بَايَعَه الناسُ بالخلافة فَحَمِدَ اللّه وأَثْنَى عليه بالذي هو أهْلُهُ ثم قال:

   أما بعدُ، أَيُّها الناسُ فَإِني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني. الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ . والضعيفُ فيكم قويٌّ عندي حتى أرجعَ إليه حقَّه إن شاء اللّه، والقويّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذَ الحقَّ منه إن شاء اللّه. لا يَدَعُ قومٌ الجِهادَ في سبيل اللّه إلا خَذَلَهم اللَّهُ بالذُلِّ ولا تَشِيعُ الفاحشةُ في قومٍ إِلا عَمَّهم اللَّهُ بِالبلاءِ. أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم. قُومُوا إلى صلاتكم يَرْحَمْكُمُ اللّه.

سيرة ابن هشام : 4/240، عيون الأخبار لابن قتيبة : 2/ 234.

ترجمة أبي بكر رضي اللّه عنه :

   هو أبو بكرٍ عبد اللّه بن أبي قُحَافَةَ القرشيُّ. وُلِدَ بعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بسنتـين، وكـان أول الرجالِ إسلاماً. شَهِدَ الـمَشَاهِدَ كلَّها وأمره الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يَحُجَّ بالمسلمين في السنة التاسعة. وبعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم بَايَعَهُ المسلمون بالخِلافة، وبعد البيعة قال هذه الخُطبةَ المشهورةَ التي حثَّ فيها على الصدق والجهاد في سبيل اللّه تعالى، وحذّر من الـمَعْصِيَة ومن مُخَالَفَـة وَلِيِّ الأمرِ مادام مُطِيعا للّه تعالى. دامت خلافتُه سنتين وثلاثةَ أَشهُرٍ وعَشْرَ ليالٍ، وكانت وفاتُه رضي اللّه عنه سنة ثلاثَ عَشْرَةَ من الهجرة.

 

أ ـ شرح المفردات

الكلمة

معناها

حَـمِدَ فُلانـاً (-َ)

:   أَثْنَى عليه. المصدر: حَمْدٌ .

أَثْنَى على فـلان

:   وَصَفَه بِخَيْرٍ ومنه الثَّنَاء.

أَهْـلٌ

:   يقاْل: هو أهلٌ لكذا أي مُسْتَحِقٌّ له. (الواحد والجمع في ذلك سواء).

وَلَّىَ فلانا على الناس

:   جعله والياً عليهم (الوَالِـي: الحاكـم، ج وُلاةٌ )

أَعَـانَ فـلانـا

:   سَاعَـدَ ُ. المضارع: يُعِـينُ، الأمر: أَعِنْ. المصدر: إِعانَةٌ .

أَسَـاءَ :

:   أتى بِسيِّءِ. المضارع: يُسِيءُ. المصدر: إِساءَةٌ ضده: أَحْسَنَ.

قَـوَّم الشيء

:   جعله مستقيما.

وَدَعَ فـلان الشيءَ

:   تركـه. المضارع: يَدَعُ، والأمر: دَعْ، ماضِيه قليلُ الاستعمال.

خَـذَلَ فلانـا (-ُ)

:   تخلى عن عَوْنه ونصْرَتِه. والمصدر: خُذْلان. وفي القرآن الكريم: {وإن يَخْذُلكم فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصركم من بَعْدِهِ }.

الفاحشـة

:   القَبِيح من قول وعمل، ج فَوَاحِشُ.

شَـاعَ الشـيءُ

:   ظهر وانْتَشَرَ. المضارع : يَشِيعُ. والمصدر: شُيُوعٌ .

أطـاع فلانـا

:   خَضَعَ وانْقَادَ له. المضارع : يُطِيعُ، والأمر : أطِعْ. والمصدر: إطاعة.

عَصَى فلانا (-ِ)

:   خَالَفَ أمـرَه ولم يطِعْـه والمصـدر: عِصْيَانٌ ومَعْصِيَةٌ ، هو ضدّ أطَاعَ.

الـذُلُّ

:   الهَوَان. وضده العِزّ.

عَـمّ الشـيء (-ُ)

:   شمل، يقال: عمّ المَطَرُ الأرضَ.

الخِـيانة

:   ضد الأمانة، والخَائِن: ضد الأمِين، (الخائن جمعه: خَوَنَةٌ ).

البَـلاء

:   الحَادِث ينزِل بالمرء لِيَخْتَبِرَه الله به، والغَمُّ والحُزْنُ.

الطَاعَـة

:   الإنْقِيَاد والمُوافَقَة.

 

ب ـ إيضاحات نحوية

ا-

(فإِن أحسنت فأعينوني، وإِن أسأْت فَقوِّموني). من مواضِع وجوبِ اقـترانِ جوابِ الشرطِ بالفاء أن يكون الجواب فعلا طلبيا كما في هاتين الجملتين، وهاك أمثلة أخرى لهذه القاعدة:

 

(1) إِذا وصل المدير فأخْبِرْني.

 

(2) إِنْ يتأخر هذا الطالب مرة أخرى فلا تَسْمَحْ له بالدخول.

 

(3) وفي التنزيل : قال اللّه تعالى: {قُلْ إِنْ كنتم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاَتَّبِعُونِي...}.

2-

(قوموا إلى صلاتكم يَرْحَمْكم اللّه). إِذا وقع المضارع جوابا للطلب يُجْزَمُ كما في المثال، فجزم "يرحمْ " لأنه وقع جوابا للطلب (قوموا)، وهنا أمثلة أخرى للجزم بالطلب:

 

(1) تعالَ نذهبْ إِلى المكتبة.

 

(2) قِفْ نقرأْ هذا الإعلانَ.

 

(3) وفي التنزيل: {وقال ربكم ادْعُونِي أسْتَجِبْ لكم }.

3-

(أطِيعوني ما أطعْتُ اللّه ورسوله). هنا "ما" مصدرية ظرفية ومعنى قوله هذا : أطيعوني مُدَّةَ إِطاعتي للّه ورسوله.

 

   وقـولنا: "اجلس في هذا المقعد ما لم يأْتِ صاحبُه " معناه: اجلس فيه مُدَّةَ عَدَمِ إِتيانِ صاحبِه.

 

   يأتي بعد "ما " المصدرية الظرفيّة الفعل الماضي لفظا أو معنى.

 

   إِليك أمثلة أخرى لـ"ما " المصدرية الظرفية:

 

(1) سيبقى الإسلامُ ما بَقِيَت السمواتُ والأرض.

 

(2) لن أترك الصلاة ما حَيِيتُ.

 

(3) لا يخرجْ أحدٌ من الفصل ما لم يَرِنَّ الجرسُ.

  (4) قال المدرس : لا تكتبوا شيئا ما شَرَحْتُ لكم الدرس.

 

(5) وفي التنـزيل : أو… {وأَوصَانِـي بالصلاة والزكـاة ما دُمْتُ حيًّا}.

جـ ـ من الجوانب البلاغية

 

في هذه الخطبة جوانب بلاغية، وهي تتضح فيما يأتي:

ا-

في قول أبي بكر رضي اللّه عنه : " إِنْ أَحسنت فأعينوني، وإِن أَسأْت فقوموني " مُقَابَلَةٌ فقد قابل بين "أحسن وأعان " و"أساء وقوّم ".

2-

وقي قوله " الصدق أمانة والكذب خيانة " تشبيه، أي تشبيه الصدق بالأمانـة في الحُسْنِ والكَذِبِ بالخيانة في القُبْح، وقد حذف وجه الشَّبَهِ وأداة التشبيه، وهذا ما يسمى بـ(التشبيه البليغ).

 

   هذا بالإضـافـة إلى أن في العبارة مقابلة أيضا فقد قابل بين "الصدق والأمانة" وبين "الكذب والخيانة ".

3-

وفي قوله: "الضعيف فيكم قوي.. والقوي فيكم ضعيف.. " مقابلة أيضا فقد قابل بين "الضعيف والقوي " و"القوي والضعيف ".

د ـ ما يستفاد من النص

1-

التَّوَاضُع من صفات المتّقين كـما يتضح من قوله "فإِني وليت ولست بخيركم ".

2-

يجب على المسلمين أن يُعاوِنوا وَلِـيَّ الأمر ما أقام فيهم شريعة اللّه والتزم نَهْجَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يقوِّموه ويُصْلحوا من أمره ويُقدِّموا إِليه الرأيَ الحق إِذا أخطأ وانْحَرَفَ.

3-

من حق المسلم على وليّ الأمر أن ينتصر له من الظالم وأن يُوصِلَ إِليه حقه.

4-

وجوب الجهاد في سبيل اللّه.

5-

وجوب ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

6-

وجوب طاعة وليّ الأمر ما دام مُطِيعا للّه ورسوله.

7-

لا طاعَة لمخلوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالق ومن هذا المبدأ جاء في الخطبة قوله: "فإِن عصيت اللّه ورسوله فلا طاعةَ لي عليكم ".

8-

الصدق حَسَن والكذِب قَبِيح.
 
   

هـ ـ أسئلة

 
 

1-

أجب عن الأسئلة الآتية:

 

(1) ما واجب المسلمين تُجاهَ أميرِهم؟

 

(2) ماذا يفعل اللّه بقوم يتركون الجهاد في سبيله؟

 

(3) ماذا يفعل اللّه بقوم شاعت فيهم الفاحشة؟

 

(4) أيجب على المسلمين طاعةُ أميرهم إذا أمرهم بمعصية الله؟ اذكر قول أبي بكر رضي اللّه عنه في هذا الموضوع.

 

(5) من صفات المتقين التواضع. اذكر قول أبي بكر رضي اللّه عنه الذي يدل على تواضعه.

2-

هات مثالا من النص للتشبيه البليغ.

3-

استخرج من النص ما يلي:

 

(1) فعلا مبنيا للمجهول.

 

(2) فعلا مضارعا منصوبا بـ"أنْ " مضمرةً.

 

(3) فعلا مضارعا مجزوما بالطلب.

 

(4) لا النافية للجنس.

 

(5) ثلاثة أمثلة للفعل الثلاثي المزيد من باب "أَفعل".
 

(6) ما المصدرية الظرفية.

4-

لماذا اقترن جواب الشرط بالفاء في الجمل الآتية؟
 

(1) إنْ أحسنت فأعينوني.

 

(2) إنْ أسأت فقوموني.

 

(3) إذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

5-

في قوله "حتى أرجع إليه حقَّه" الفعل "أرجع" ألازم هو أم متعدٍّ ؟ اذكر دليلا على ما تقول.

6-

هات ضد كل كلمة مما يأتي :

 

قَوِيّ – أحْسَنَ - أطَاع َ- خَذَلَ – الصِدْق - الأمانة- الطاعة.

7-

هات مصادر الأفعال الآتية:

 

أساء – أعَانَ – أطاع - أحْسَنَ – قَوَّم – شاع – عَصَى - قَام.

8-

هات جمع الكلمات الآتية :

 

فاحشة – قويّ – حقّ - والٍ.

9-

هات المضارع والأمر من الأفعال الآتية :

 

أعان – أطاع – أحسن – قوَّم – ودع - خذل.

10-

أدخل كلا مما يأتي في جملة مفيدة :

 

أهْل - أثنى على فلان – أطاع - ما المصدرية الظرفية.

11-

هات جملة من إنشائك يكون جواب الشرط فيها فعلا طلبيا.