الدرس الخامس

 

(الشرك وأقسامه)

 

المدرس:

علمنا من الدروس الماضية أنواعَ التوحيد وفضلَه على المسلمين وفي هذا الدرس نريد أن نعرفَ الشركَ وأقسامَه ومضارَّه على الناس، ونعرفَ كيفية التخلصِ منه والابتعاد عنه بإذن الله تعالى.

جابر :

نريد بياناً لمعنى كلمة الشرك.

المدرس:

معنى كلمة الشرك لغةً: النصيب. وذلك بأن يكون اشتراك بين اثنين أو أكثر في شيء من الأشياء أو أمرٍ من الأمور لكلٍّ نصيبٌ فيه، فهُم في هذه الحال شُركاء. والواحد منهم شريكٌ .

 

وأما معنى الشرك شرعاً: فهو أن يَصرف المشركُ شيئاً من حقوق اللّه تعالى لغيره فيجعل له نصيباً منها. وهذا لا يجوز وهو أعظم الذنوب قال اللّه تعالى: { إنَّ اْللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء وَمَنْ يُشْركْ باللّه فَقَدْ ضلَّ ضَلالاً بَعْيداً }. (الآية 116 من سورة النساء). ثم إن الشركَ ضد التوحيد،َ وله أقسام.

ثابت :

علمنا معنى الشرك وأنه أعظم الذنوب. فما أقسامه؟

   

المدرس:

الشرك قسمان: شرك كبر وشرك أصغر، ولكل منهما أنواع عديدة وقع فيها كثير من الناس.

محمد:

      ما أنواع الشرك الأكبر؟

المدرس:

      إن للشرك الأكبر أنواعاً كثيرة وقعت قديماً وحديثاً. ومن تلك الأنواع ما يلي:

               (1) الشرك في الدعاء.

               (2) الشرك في المحبَّة.

               (3) الشرك في النيَّة.

               (4) الشرك في الطاعة والخوف.

وكل أنواع الشرك فيها تسوية بين اللّه تعالى والمخلوقين.

عارف :

ما هو الشرك في الدعاء؟ وكيف يقع بعض الناس فيه؟

المدرس:

الشرك في الدعاء هو سؤال غير الله تعالى في جَلْب نفع أو دفع ضُر. وهو أن بعض الناس يدعون اللّه تعالى. ثم يدعون غيره كالأصنام وأصحاب القبور ونحوهم ممن لا يملك لهم ولا لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً، ثم إنهم قاسوا الخالق بالمخلوقين. وفي الحقيقة أنهم جهلوا ووجهوا الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى، مما أوْقعهم في هذا النوع من الشرك.

خالد :

ما دليل النهي عن دعاء غير اللّه تعالى؟

المدرس:

من أدلة النهي عن دعاء غير اللّه تعالى ما يلي: قال اللّه تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً }. (الآية 18 من سورة الجن).

أحمد :

وكيف يحصل الشرك في المحبة؟

المدرس:

قبل هذا أريد أن أبين لكم أن المحبةَ قسمان. الأول: المحبة الخاصة لله تعالى. والثاني: المحبة المشتركة العامة. ويحصل الشرك في القسم الأول عندما يجهل الإنسان كيف يحقق المحبة الخاصة التي هي أصل الإيمان والتي فيها تعظيم وإجلال لله تعالى: إذ لا يجوز صَرْفُ شيء منها لغير اللّه تعالى، لأن هذا من شأنه الوقوع في الشرك الأكبر. قال الله تعالى: { وَمِنَ النَاس مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِ الله أَنْدَاداً يُحِبُّوْنَهُمْ كَحُبِّ الله والذين آمنوا أَشَدُّ حُبّاً للّه}. (الآية 165 من سورة البقرة).

صالح :

لماذا يكون الذين آمنوا أشدَّ حبا للّه؟

المدرس:

يكون حبُّ المؤْمنين للّه أشدَّ من حب المشركين، لأن حبَّ المؤمنين خالصٌ للّه تعالى وحبَّ المشركين مُوزَّعٌ بين اللّه والأنْدادِ (الشُّركاء) والحب الخالص الصحيح أقوى من الحب المشترك، الذي فيه نصيب لغير اللّه تعالى، وإشراك لغيره معه في الحب الخاص الذي لا يكون إلا له سبحانه وتعالى.

إبراهيم:

ذكرتَ- لنا قبل قليلٍ- المحبةَ المشتركة العامة، فما مثالها؟

المدرس:

هذا النوع من المحبة طبْعٌ في الإِنسان مثل: محبة الجنّة، ومحبة الإنسان لوالديه وأولاده أو لزميله في الدراسة أو الصناعة أو السفر. أو حب الخيرات. قال اللّه تعالى: { الْمَالُ والْبَنُوْنَ زِيْنَةُ الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }. (الآية 46 من سورة الكهف). لكن يجب أن تُبنى هذه المحبة على البرِّ والصِّلة طاعةً للّه تعالى وبُعداً عن الفساد، وأن لا تتجاوز المحبُة المشتركةُ العامةُ حدودَها إلى المحبة الخاصة للّه تعالى.

عبد الله:

كيف يحصل من الناس الشرك في النية؟

المدرس:

هذا النوع من الشرك يُسمى الشرك في القصد والإرادة. وتعلمون أن النية محلها القلب ولا يعلمها إلا اللّه تعالى. فبعض الناس يريد الآخرة ويسعى لها بإخلاص وبعضهم يعمل بغير إخلاص فينقص أجره. وبعضهم يريد الحياة الدنيا وزينتها فيقع في الشرك بالنية والقصد. قال تعالى:

 

{ من كان يرِيدَ الحياة الدنيَا وَزِينتها نوَفَ إليهِم أعمَالهم فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أوْلئكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ في الآخرة إلا النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيْهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون}. (الآيتان 15/ 16 من سورة هود).

 

ولقد جاء في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: { إنَّما الأعْمالُ بالّنيَّات وإنَّما لكُلِّ امرئ ما نوى فمنْ كانتْ هجْرتُهُ إلى اللّه ورسُولهِ فهجْرتُهُ إلى اللّه ورسُولهِ ومنْ كانتْ هجْرتُهُ لدُنْيا يُصِيْبُها أو امْرأةٍ ينْكِحُها فهجْرتُهُ إلى ما هاجر إليْه } (متفق عليه). فالحديث يبين لنا أن نية الإِنسان في أفعاله وأقواله يعلمها اللّه تعالى ويُجازي عليها. وكما أن أعمالَ الإِنسان الظاهرةَ عظيمٌ بعضها في الخير وعظيمٌ بعضها في الشر، فكذلك النيات وأعمال القلوب التي لا يعلمها إلا اللّه سبحانه وتعالى.

حسين:

ذكرت لنا أن الشرك في الطاعة والشرك في الخوف من أنواع الشرك الأكبر فكيف يقعان أو ما هي أسبابهما؟

المدرس:

لقد حصل الشرك في الطاعة والشرك في الخوف من كثير من الناس بسبب الأوامر التي يلقيها إليهم من يحكمهم بخلاف شرع اللّه. ثم إنهم جعلوها مقدَّمةً على أمر اللّه

 

تعالى، كمن أطاع من يأمُره بالسجود لغير اللّه تعالى. أما من كره وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه كما لا تجوز طاعة الوالدين في معصية اللّه تعالى. قال الله تعالى: { وَإنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا ليس لَكَ بهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا في الدُّنْيا مَعْرُوْفاً... }.  (الآية 15 من سورة لقمان).

سالم :

لو وقع إنسان في أحد أنواع الشرك الأكبر ماذا يحصل له؟

المدرس :

إن الشرك الأكبر يُنافي التوحيدَ، ويُخرج صاحبَه عن الإسلام ويوجب دخول النار والخلود فيها وحرمانه من الجنة إلا أن يتوب منه في حياته ويستقيم على التوحيد، فإنَّ الله يقبل توبته بفضله ورحمته.

عبد اللّه:

عرفنا شيئاً عظيما عن الشرك الأكبر- حفظنا اللّه منه- الآن نريد أن نعرف شيئاً عن الشرك الأصغر لنتقيه.

المدرس :

قال العلماء: إن الشرك الأصغر ذنب عظيم يجب الحذر منه، لكنه لا يُخرج صاحبه من الإسلام. وللشرك الأصغرِ أمثلةٌ عديدة، كيسير الرياء وكقول بعض الجاهلين: لولا اللّه وأنت، وقولهم: ما شاء اللّه وشئت،... فهذا فيه من الغلو- في المخلوق- ما يوهم المساواة بين الله تعالى وخلقه وإن كان لا يبلغ رتبة العبادة. ولقد ابتُلي كثير من

 

المسلمين ماضياً وحاضراَ بهذا الشرك الأصغر بسبب جهلهم لخطر هذا النوع من الشرك وتساهلهم فيه، واللّه المُستعانُ. ثم اعلموا حفظكم اللّه تعالى أن أعظم طريق للتخلص من الشرك والابتعاد عنه بكل أنواعه، أن يكون المسلم على بصيرة من دينه ويحقق التوحيد لله تعالى ويبتعد عن كل أسباب الشرك. واللّه تعالى أعلم.

   

(اللغة)

 

أنْداد :

جمع نِدِّ، والنِّدُّ هو المثيل والنظير والشبيه.

الفاسد:

الذي لا يصلح ولا يحمل فائدة، بل يأتي بالضرر. حَبِط: فعلٌ ماضٍ بمعنى خَابَ وخَسِرَ، وبَطَلَ وسَقَطَ. مأخوذ من الحَبَطِ وهو نوع نباتٍ إذا أكلته الأنعْامُ يُذْهبُها حَبَطَا فتموت.

حَبط :

فعلٌ ماضٍِ بمعنى خَاب وخَسِر ، و بَطَلَ و سَقَطَ . مأخوذمن الحَبَطَ و هو نوع نباتِ إذا أكلته الأنعْام يُذهِبُها حَبَطَاً فتموت

نوى :

قَصَد- أراد. مثل قول الرجل لصاحبه: نويتُ أن أزورك أمسِ فَنَسِيْتُ.

الغُلُو :

الزيادة مع مجاوزة الحدِّ المطلوب مما يؤدي إلى الفساد. ومنه الفعل الماضي غَلا، والمضارع يَغْلُو.

الخالص:

الصافي الذي لا يُخالطه شيء. كقولك: شَرِبْتُ لَبناً خَالِصاً. لا يُبخسون: لا يُنْقَصون حقَّهم، ولا يؤخذُ منه شيء.

لا يُبخسون

لا يُنقَصُون حَقَهُم ، ولا يُؤْخذُ منه شيء

البِرُّ :

حُسْنُ الخُلُق، وعكسه الإثم سوء الخُلق.

 
 

- التدريب-

 
 

استعمل هذه الكلمات في جمل مفيدة:

(أنداد- حَبِطَ- الغلو).

 
 

(المناقشة)

 
 

س 1:

للشرك الأكبر أنواع تحدث عن بعضها مع ذكر أمثلة لها.

س 2:

ما سبب وقوع بعض الناس في الشرك بالطاعة؟

س 3:

قال رجل لصاحبه: واللّه لولا أنت لماتت الطفلة. أيجوز للمسلم مثل هذا التعبير؟ ولماذا؟

س 4:

اذكر ما تعرفه باختصار عن المحبة الممنوعة والمحبة الجائزة.

س 5:

بيّن معنى ما يلي: (أنْدَادٌ . نَويْتَ. عَمَلٌ فاسدٌ . عَمَلٌ خالصٌ ).