الدرس العاشر

 
 

(من هزل بشيء فيه ذِكْر للّه تعالى أو القرآن أو الرسول )

 
 

المدرس:

 كثير من الناس- غير المؤمنين- إذا سمعوا شيئا فيه ذِكر اللّه تعالى، أو القران الكريم، أو الرسول- صلى الله عليه وسلم- قابلوه بـ (الهزْل) واللَّعب، وعدم الاهتمام، وعدم التكريم، وكل ذلك فيه اتباع للشيطان ومحاربة للحق، ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه.

عيسـى:

 ما معنى (الهزْل)؟

المدرس:

 إنّ الهزْل: هو اللعب وعدم الجد، ومنه أيضا الاستهزاء والسخرية وعدم الاهتمام بالأمر. يقال: هزل يهْزلُ: إذا لعب ولم يكن جادا في الأمر وسخر. وإذا اسْتَهْزأ ولم يحترم غيره.

 

   قال اللّه تعالى: { إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِيْنَ }.(الآية 95 من سورة الحجر).

عمـر:

وهل حصل من أحد أنه اسْتهْزأ بالإِسلام زمن النبي - صلى الله عليه وسلم-؟

 لمدرس:

نعم. حصل الاستهزاء بالإِسلام والمسلمين كثيراً، ولكن اللّه نصر عباده المؤمنين، فلم يضرهم مَن استهزأ بهم.

 

   ولقد أنزل اللّه تعالى آيات ليفضحَ شأن المنافقين الذين استهزأوا باللّه تعالى وآياته ورسوله- صلى الله عليه وسلم-. قال اللّه تعالى: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونْ أنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِيْ قُلُوْبهِمْ قُلْ اسْتَهْزءوُا إنَّ اللّه مُخْرجٌ ما تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَألْتَهُم لَيَقُوْلُنَّ إنَمَا كُنَّا نَخُوْضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أباللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُوْلِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزءوُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بأنَّهُمْ كَانوا مُجْرمِيْنَ }.(الآيات 64-66 من سورة التوبة).

 

   وفي نزول هذه الآيات قصة حصلت في غزوة تبوك.

مصطـفى:

 حَبَّذا لو ذكرت لنا ما حصل في ذلك الوقت بهذا الشأن.

المدرس :

روى الإمام الطبري عن زيد بن أسْلم أن رجلاً من المُنافقينْ قال لعَوف بن مالكٍ في غزْوة تبُوك: ما لِقرّائنا هؤلاء أرْغبنا بُطُوْناً وأكْذبنا ألْسنةً وأجْبننا عنْد اللِّقاء؟ فقال لهُ عوْفٌ : كذْبَتَ ولكنَّك مُنافقٌ لأُخْبرنَّ رسُول اللّه-صلى الله عليه وسلم- فذهب عوْفٌ إلى رسُول اللّه- صلى الله عليه وسلم- ليُخْبرهُ فوجد الْقُرْآن قدْ سبقهُ. فقال زيْدٌ : قال عبْد اللّه بن عُمر: فنظرْتُ إليْه مُتعلقِّاً بحَقَب ناقة رسُول اللّه- صلى الله عليه وسلم- تنْكُبُهُ الحجارةُ يقُولُ: " إنَّما كُنَّا نخُوْضُ ونلْعبُ "

 

   فيقُوْلُ لهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم: " أباللّه وآياته ورسُوله كُنْتُمْ تسْتهزءوُن " .(انظر تفسير الطبري الجزء العاشر عند سورة التوبة الآيات 64-66).

طـارق:

هل نفهم من هذه القصة أن الاستهزاء بالدين كفر؟

المدرس:

أجل. لقد كفر من استهزأ بالإِسلام والمسلمين بمجرد الكلام، فكيف بمن أساء إليهم بالقول والفعل، فهو أشد كفراً. وتجب عليه التوبة.

يـونس:

 ما الذي يدعو المنافقين إلى قولهم السوء، وإلى الطَّعْن في المؤمنين؟

المدرس:

إنها العداوة في قلوب أعداء اللّه، وكثيراً ما تظهر كلمة السوء على ألْسِنَةِ أهلِ النفاق. وما تُخْفي صُدورهُم أكبر.

محمـد:

 ما معنى قول ذلك المنافق: (ما لِقُرَّائنا هؤلاء أرْغبنا بُطُوناً، وأكْذبنا ألْسنةً، وأجْبننا عِنْد اللِّقاء)؟

المدرس:

 هذه مقالة استهزأ بالمسلمين، وإليك معاني مفرداتها: قُرَّاء: جمـع قارئ، وهـو من يتلو القرآن- (أرْغب وأكْذب وأجْبن): هذه كلمات على وزن أفْعل التفضيل أراد بها قائلها شتم المؤمنين.

 

   فأراد بكلمة (أرْغبنا بُطُوْناً): أي أكثرنا رغْبةً وحُباً للأكْل وملْء البُطون. وأراد بكلمة (أكْذبنا ألْسنةً): هم أكثرنا كذبا في الكلام. وأراد بكلمة (أجْبننا عنْد اللِّقاء). أي: هم أكثرنا جُبْنا وخوْفاً عند اللقاء- لقاء الأعداء فالقتال.

يحـيى :

هل يوصف صحابة رسول اللّه بهذا الوصف أو بعضه؟

المدرس :

 كلاّ. ألم تعلم أن هذه مقالة المنافق الذي يُظْهرُ الإِسلام ويُخفْي الكُفر في قلبه؟ كيف يكون الصحابة أرغب بُطوناً وهم الذين صبروا على الجوع وكانوا يَقْتسمون القليل من التمر فيكفيهم؟ وكيف يكونون كاذبين وهم الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه؟ وكيف يكونون جُبناء وهم الذين خرجوا من المدينة إلى تبوك للقاء الأعداء وقتالهم؟ فلا يجوز لأحد أن يصف الصحابة بما يَنْقُصُ حقَّهم. إنَّ حُبهم جميعاً علامة من علامات الإِيمان، وإن بغض أحدهم أو الإساءة إليه علامة من علامات النفاق.

عبد الرحمن:

 تعلق المنافق بحَقَب الناقة تنْكُبهُ الحجارةُ. ما معنى (حقب الناقة) و (تنْكُبُهُ الحجارةُ)؟

المدرس :

معنى حقب الناقة: الحزام، يُشدّ به الرَّحْلُ في بطن البعير ومعنى (تنْكُبُهُ الحجارةُ) أي تُصيب الحجارةُ قدميه فتؤذيها فهو منْكوب.

ياسـر :

كان المنافق يقول: (إنما كُنا نخوض ونلعب). فما معنى نخوض؟

المدرس:

هذا فعل مضارع مسند لضمير الجماعة المتكلمين. والأصل فيه: خاض يخوض خوضا. أي: سار في الماء، فشبَّه حديثهم واسْتهزاءهم بالمسلمين بالخوض في الماء واللعب فيه، كحال الأطفال اللاعبين.

مبـارك: هل قُبل اعتذارُهُم بكلمة: (نخوض ونلعب)؟
المدرس:

كلاَّ. لم يقبل اللّه هذه المقالة الكاذبة منهم، بل قال لهم: { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ منْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَة بِأنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِيْنَ }.(الآية 66 من سورة التوبة).

   وإليكم الآن بعض ما يُستفاد من هذا الدرس:

1- إن سبَّ الدين وأهله من علامات النفاق.

2- وجوب المبادرة إلى إنكار المنكر وكشف أعداء الدين.

3- إثبات معجزة للنبي- صلى الله عليه وسلم- حين نزل عليه الوحي بالخبر قبل وصول عوف بن مالكٍ - رضي اللّه عنه-.

 

(اللغة)

المستهزئون :

الساخرون. والذين لا يحترمون غيرهم.

اللّه يفضح المنافقين:

أي يكشف أسرارهم وما في قلوبهم.

إنْ نعْف :

إن نُسامحْ. ونعفُ: فعل مضارع مجزوم. والمسند للمفرد (عفى- يعْفو) ومصدره (عفْوٌ ).

المبادرة :

المسـارعة والابتداء بأقرب وقت. والفعل: بادر. كقولك: (بادر المؤمنون إلى الجهاد) أي: سارعوا.

طائفة:

 فرقة من الناس أو جماعة. قال تعالى: {وإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِيْنَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُما}. (الآية 9 من سورة الحُجُرات).

 

- التدريب-

 
 

استعمل الكلمات الآتية في جمل مفيدة:

   (المسـتهزئـون- يفضـح- يعفـو).

 

 

(المناقشة)

 
 

سن 1:

ما حكم من استهزأ بشيء فيه ذكْر للّه تعالى، أو القرآن، أو الرسول - صلى الله عليه وسلم-؟

س 2:

ماذا قال المنافق في وصف المؤمنين؟ وهل هو على حق؟ اذكر دليلا على ما تقول.

س 3:

استخرج ثلاثا مما يستفاد من قول اللّه تعالى: { وَلَئِنْ سَألْتَهُم لَيَقُوْلن إنَمَا كُنَّا نَخُوْضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبِاللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُوْلِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزءوُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ }. (الآية 65 من سورة التوبة).

س 4:

هل قبل اللّه تعالى اعتذار المنافقين؟ وما دليلك؟

سر 5:

بين معنى (هَزَلَ. طائفة. أرْغب بُطُوْناً. أكْذبَ. أجْبنَ).
 

(تم بعون اللّه تعالى مقرر القسم الثاني)

من دروس التوحيد