مـقدمـة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

إن علم التجويد من العلوم التي يجب على كل مسلم أن يتعلمَّها وُيعنَى بها، وذلك لتعلقه بعبادة مطلوبة من كل واحد بعينه وهى قراءة القرآن الكريم.

وقراءة القرآن الكريم لها صفة معينة وطريقة خاصة نقلت إلينا بأعلى درجات الرواية وهي المشافهة، حيث يأخذ القارىء من المقرىء وتنتهي السلسلة إلى النبي الله عليه وسلم ، والنبيُّ أخذ من جبريل عليه السلام حيث كان يلقنه القرآن ويعلمه إياه، وجبريل سمع من رب العزة والجلال، وهذا هو ما أشار إليه ابن الجزري بقوله:

لأنَّهُ بهِ الإلــهُ أَنْـزَلاَ

وهكــذا منْهُ إلينا وَصَلاَ

وصفة القراءة هذه التي اصطلحوا على تسميتها (تجويد القرآن) مستقاة من لغة العرب، إذ القرآن أنزل بها، فهو عربي في اللفظ والمعنى وفي اللهجة، والعرب كانت لها لهجات في طريقة النطق تختلف من قبيلة إلى أخرى، إلا أن القرآن نزل بأفصحها وهي لغة قريش ولهجتها، ونطق به أفصح العرب صلى الله عليه وسلم، ونحن في (التجويد) ننطق بالقرآن بأفصح لهجة عربية حيث نتتبع لهجة النبي صلى الله عليه وسلم ونطقه وما أقرأ به أُبىَّ بن كعب وعبد اللّه بن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم من قراء الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.

وقد عُنِي علماء الإِسلام بعلم التجويد عناية عظيمة وألفوا فيه من الكتب ما لا يحصى ونظموا من المنظومات ما لا تحصر.

وكان من أجل من ألف فيه وأقام صرحه أبو عمرو الداني ومكي بن أبي طالب القيسي، والقاسم بن فيرة الشاطبي وأبو الخير محمد بن الجزري الشافعي، فهؤلاء هم سادة الحفاظ والمقرئين وأئمة المجودين، فالقراء حتى آخر الدهر عيال على كتبهم.

وقراءة القرآن لها روايات مختلفة صحت منها عشر قراءات.

ولما كانت الرواية التي يقرأ بها معظم أهل الإِسلام هي رواية حفص عن عاصم أحببت أن أساهم فى خدمتها بثلاثة مصنفات جعلتها على مراتب القارئين: (فالتجويد الميسر) الذي هو هذا الكتاب لعامة المبتدئين، (وقواعد التجويد) على رواية حفص عن عاصم بن أبي النجود للمتوسطين، ثم جمعت أحسن ما نظم في قراءة حفص من منظومات السلف الذين عليهم العمدة في هذا العلم فحققته وشرحته شرحاً مستوفياً في كتاب سميته (مجموعة التجويد) وهو نافع ومهم للمتخصصين بهذا الفن والذين يرومون مرتبة التحقيق والإتقان ويرغبون لا استيفاء هذا الشأن.(1)

فهذا الكتاب -التجويد الميسر- هو عبارة عن تيسير لقواعد التجويد والقراءة دون إخلال أو تقصير، بحيث يتسنى لكل مسلم تناولها وتعلمها دون حاجة إلى عناء أو مشقة في فهمها أو تطبيقها ...

أما بالنسبة للأطفال في المراحل الابتدائية الأولى فإني رأيت بالتجربة أن من الخير أن يتناولوا هذا الفن بطريقة التلقين: فيأخذوا مباشرة من فم المقرىء بعض سور القرآن القصيرة مجودة مع تطعيمهم وإرشادهم إلى بعض أحكام التجويد السهلة، كالإظهار والإدغام والإِخفاء والإِقلاب والمد المتصل والمد المنفصل لتتعود أذهانهم على هذا الفن وتألف قواعده.

وإن كان علماؤنا السالفون لم يتركوا الصغار حتى ألفوا لهم ما يليق بسنهم وطراوة أذهانهم من كتب في التجويد، ومن أشهر ما صنف في هذا (تحفة الأطفال والغلمان) للشيخ سليمان الجمزوري وهي منظومة سهلة العبارة والتركيب، وقد شرحها نفس الناظم في كتاب أسماه (فتح الأقفال بشرح متن تحفة الأطفال).

ثم تولى شرح هذه المنظومة من القدماء الشيخ محمد الميهي فى كتاب أسماه (فتح الملك المتعال) ومن المتأخرين شرحها أيضاً الشيخ محمد الضباع.

ومن المهم أن أشير إلى أن (التجويد) فن يعتمد بدرجة كبيرة على (الذوق) وكل قواعده وتقسيماته هي راجعة إلى مقصدين من مقاصد اللغة: التسهيل والتزين ...

إذ كان من طبيعة العرب الفصحاء أن يلجؤوا دائماً في لغتهم إلى ما يسهل الثقيل منها ويلطف المستوحش والمتنافر سواء كان في النطق أوفي المعاني.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " زَيِّنُوا القرآن بأصواتِكم ". (أخرجه ابن حبان والحاكم)، وقال: " ليس مِنَّا من لم يَتَغنَّ بالقرآن ". (أخرجه البخاري).

وذلك هو ما أشار إليه ابن الجزري في قوله:

وَهْوَ أيضًا حِلْيَةُ التِّلاوة

وزينَةُ الأَدَاء والْقِراَءةِ

اللهم اجعل القرآن العظيم شفاء صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا وذكِّرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

 

المدينة المنورة في 1 جمادى الأولى 1392 هـ.

أبو عَاصِمٍ عَبْد العَزِيز بْن عَبْد الفَتَّاحِ القَارِىء

 

 

       

 


1- وقد صدر من مجموعة التجويد (قصيدتان في تجويد القرآن) هما قصيدتا الخاقاني والسخاوى حققهما وشرحهما المؤلف وتحت الطبع المقدمة الجزرية وهي الكتاب الثاني من المجموعة.