الدرس الثامن

 
 

مَنْ يُظِلُّهُمُ الله ُفي ظِلِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ

 

   عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

   "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادة الله تعالى، ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد، ورَجُلانِ تَحَابَّا في الله: اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجلٌ دَعَتْه اْمرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فقال: " إِني أَخاف الله "، ورجلٌ تصدَّق بصَدَقَةٍ ، فأَخْفَاهَا حتِّى لا تَعْلَمَ شِمَالُه ما تُنْفِقُ يَمِينُه، ورجلٌ ذكر الله خالياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".

(متفق عليه) (*)

أـ شرح المفردات

الكلمة معناها

الظِـلُّ

:   ج ظِلالٌ . أَظَـلَّ فلانٌ فلانـاً: جعله في ظِلِّه. واستَظَلَّ بالشجرة: دخل في ظلها.

في ظِلِّـه

:   إِضافةُ الظلِّ إِلى الله إِضافةُ تشريفٍ لِيَحْصُلَ امتيازُ هذا الظلِّ على غيره كـما قيل للكعبة: بيت اللّه مع أن جميع المساجد مِلْكُه. وقيل: المراد ظلُّ عَرْشِهِ، وتدلّ عليه رواية سلمانَ: "... في ظِلِّ عَرْشِهِ ".

يوم لا ظلَّ إِلاّ ظله

:   المراد به يوم القيامة.

الإمـام

:   الخليفـة، وُيلْحَقُ به كلُّ مَن وَلِيَ أمراً من أمور المسلمين. ج أَئِمَّةٌ .

العَـدْل

:   الإنصاف، وهو إعطاء المرءِ ما لَه وأَخْذُ ما عليه. والعادل: المتَّصِف بالعدل.

نَشَـأَ الصـبيُّ (-َ)

:   شبَّ ونَمَا. المصدر: نُشُوءٌ ونَشْأَةٌ .

شَـابٌّ

:   مَن بلغ سِنَّ البلوغِ وَلـمَّا يصـل إلى سِنِّ الرُجُولة بعـدُ. ج شُبَّانٌ ، وشَبَابٌ (والشَّباب أيضا مصدر شَبّ الغلامُ (-ِ) : أي: أدرك طَوْرَ الشَّبَابِ).

عَلّق الشيء بالشيء

:   نَاطه. والشيءُ معلَّق. تقول: علّقت الثوبَ بالمِشْجَبِ.

تَحَابَّ الرَّجُلانِ

:   أحَبَّ أحدُهما الآخر. المضارع: يَتَحَابُّ. وهو من باب تَفَاعَلَ، وأصل تَحَابَّ تَحَابَبَ.

تفرّق الرجلان

:   ذهب كل منهما في طريق. وهو ضد اجْتَمَعَ.

دَعَـتْه

:   أي دعته إلى فعلِ الفاحشة.

لمَنْصِـب

:   الأصْلُ والحَسَبُ. يقال: فلان ذو مَنْصِب كريمٍ. ويقال: لفلان مَنْصِب: أي عُلُوٌّ ورِفْعَةٌ .

 

     لهذه الكلمة معنًى مُولَّد، وهو ما يَتَوَلاه المَرْءُ من عَمَلٍ. يقال: تولى فلان مَنْصِب الوزَارةِ أو القَضَاءِ ونحوِهما.

الجَمَـال

:   الحُسْن. وضده القُبْح.

تصدّق على فلان

:   أعطاه الصَّدَقَة.

أَخْـفَى الشيء

:   سًترَه وكَتَمَه. والمصدر: إِخْفَاءٌ .

الشِّـمال

:   مقابل اليمين. ج شَمَائِلُ. وجمع اليمين أيْمَانٌ . وفي القرآن الكريم على لسان إِبليسَ: {ثم لآتِيَنَّهم مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِم ومِنْ خَلْفِهـم، وعَنْ أيْمانِهم، وعن شمَائِلهمْ } (الأعراف: 17).

فَاضَ الماءُ (-ِ)

:   كَثُرَ حتى سَالَ. فاضت عينه: سال دَمْعُها.

ب ـ إيضاحات نحوية

   (… يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يومَ لا ظلَّ إِلا ظلُّه) هنا (يومَ) مضاف إلى الجملة الاسمية (لا ظل إلا ظلُّه). وإليك مثالا آخر: {وسلامٌ عليه يومَ وُلِدَ ويومَ يموتُ ويومَ يُبْعَثُ حيا} (مريم: 15). هنا أضيف (يوم) إلى جملة فعلية.

جـ ـ من الجوانب البلاغية

1-

قوله صلى الله عليه وسلم : "يوم لا ظل إلا ظله " فيه قَصْرٌ . والقصر في اللغة الحَبْس تقول مثلا: قَصَرَتِ الجامعةُ الجائزةَ على الطلابِ المتفوقين، بمعنى خَصَّتهم بها دون غيرهم. والقَصر في البلاغة نوعان:

 

1- قَصْرُ موصوفٍ على صِفةٍ .

 

2- قَصْرُ صِفةٍ على موصوف.

 

   ومثال الأول قولك : ما سعيدٌ إِلا مدرس. أي ليست له صِفَةٌ أخرى غير التدريس.

 

   ومثال الثاني قولك : لا مُتَفَوِّقَ في هذا الفصل إلا محمدٌ ، أي ليس أحدٌ متفوقا إلا محمدٌ . فأصبح التفوق مقصوراً على محمد.

 

   وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ظل إلا ظله " نلاحظ أنه مِن قصر الصفة على الموصوف، أي ليس هناك يوم القيامة ظل إلا ظل الله، فقصر الظل الموجود في يوم القيامة على ظل اللّه سبحانه وتعالى.

2-

وقوله صلى الله عليه وسلم : "ورجل قلْبُه معلَّق بالمساجد" فيه كِناية عن حُبِّ هذا الرجل للمساجد ومُلازَمَتِهِ لها.

3-

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "حتى لا تعلمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يمينُه " ففيه مُبَالَغَةٌ في إِخفاء الصدقة وستِرها.

4-

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "ففاضت عيناه " ففيه مجازٌ عَقْلِيٌّ إذْ أُسْنِدَ الفيضُ إلى العين، مع أن الدُّموع هي التي تَفِيض وذلك من إسناد الفعل إلى مكانه لأنّ العينَ مكان الدموع، وإسنادُ الفيض إلى العين مُبَالَغَة كأنها هي التي فاضت.

د ـ ما يستفاد من النص

1-

في هذا الحديث حَثٌّ لكل من يَلِي أمراً من أمور المسلمين أن يكون عادلا حتى يحظَى برحمة اللّه وكرمه يوم القيامة.

2-

طاعة الإنسان للّه تعالى وقتَ الشبابِ أفضلُ عند اللّه من طاعته وقتَ الكِبَرِ، ففي الشباب يَقْوَى الإنسان على العمل والعبادة.

3-

فضل المساجد عند اللّه عظيمٌ لأنها بيوته في الأرض، وكذلك فضلُ المحبين لها، المكثرين من ملازمتها والتردّد عليها.

4-

ينبغي أن يكون حُبّ الإنسان لأخيه الإنسان قائما على أساس الدين أي الحب في اللّه وليس لغَرَض من أغراض الدنيا.

5-

تَقْـوى اللَّهِ وخَشْيَتُـه من أفضل ما يَتَحَصَّنُ به المؤمن من نَزَعات النفس وهَوَاجِس الشيطان.

6-

فضل إخفاء الصدقة خاصةً إذا كانت صدقةَ تَطَوُّعٍ، لأنها حينئذ تكون أبعدَ عن الرياء والنفاق، ودليلا على صِدق الـمُتَقَرّب بها إلى اللّه تعالى.

7-

من صفات المؤمن الصادق أن يخشع قلبه وتَفيض دُموعُه عند ذكر اللّه مصداقا لقوله تعالى : {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قلوبُهم… } وقوله تعالى : {وإذا تُتْلَى عليهم آياتُ الرحمن خَرُّوا سجَّدا وَبُكِيًّا}.

 

هـ ـ أسـئلة وتمـارين

 
 

1-

أجب عن الأسئلة الآتية:

 

(1) من الذين يُظِلّهم اللّه في ظله يوم القيامة؟

 

(2) ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : "يوم لا ظل إلا ظله"؟

 

(3) لماذا ذكر الشباب دون الكَهْل في هذا الحديث؟

 

(4) ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : "رجل قلبه معلق بالمساجد"؟
 

(5) ما الأمر المشترك بين الذي تصدق فأخفى والذي ذكر اللّه خاليا؟

 

(6) اذكر ثلاثة أمور مما يستفاد من هذا الحديث.

2-

من قال هذا؟ ولمن؟ ومتى؟: "إني أخاف اللّه".

3-

اذكر النواحي البلاغية فيما يأتي:

 

(1) رجل قلبه معلق بالمساجد.

 

(2) ففاضت عيناه.

 

(3) حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

4-

هات جمع الأسماء الآتية:

 

شابّ- ظل- إمام- يمين- شِمال.

5-

هات مضارع الأفعال الآتية:

 

تحابَّ- تفرّق- تصدّق- فَاضَ.

6-

هات ماضي هذين الفعلين:
 

يُظِلّ- يُنْفِق.

7-

اليمين والشمال أمذكران هما أم مؤنثان؟ هات دليلا من النص على ما تقول.

8-

هات معاني الكلمات الآتية:

 

الإمام- المَنْصِب- العَدْل- الجَمَال- أخْفَى.

 

 

 

 


(*) أخرجه البخاري في (الأذان، والزكاة، والرقاق، والحدود)، ومسلم في (الزكاة).