(4) محنة الإمام أحمد رحمه الله |
كان الناس أمة واحدة ودينهم قائم في خلافة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق، فلما استشهد عمر انكسر الباب الذي يصد الفتنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (1)، فقام رؤوس الشر وتفرقت الكلمة، فظهرت الطوائف الضالَّة التي كفرت سادة الصحابة وغيرهم، حتى ظهر الخليفة المأمون - وكان ذكيا متكلما - فاستجلب كتب الأوائل، وعرّب حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وقد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل، وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن وامتحن العلماء. ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم. |
ثم إنه خرج إلى غزو الروم وكتب إلى نائبه ببغداد يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، وذلك قبل موته بشهور، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث، فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فتهدِّدهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، |
واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، فحُملا إلى الخليفة على بعير واحد وهما مقيَّدان، وما إن وصلا إلى الثغر الذي يقيم فيه المأمون حتى جاءتهم البشرى بموته. |
فولي الخلافة المعتصم، فردّوهما إلى بغداد، ومات محمد بن نوح في الطريق، وصلى عليه أحمد. ولما رجع إلى بغداد أُودع السجن نحوا من ثلاثين شهرا. |
ثم أحضره المعتصم من السجن، وأدخله على رؤوس المبتدعة ليناظروه، فقال له عبد الرحمن بن إسحاق: ما تقول في القرآن ؟ فقال الإمام أحمد: القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، كفرك وكفرنا، فلم يلتفت إلى ذلك، فجعل يتكلم هذا ويرد عليه، ويتكلم هذا ويردّ عليه، فإذا انقطعوا، يقول المعتصم: ويحك يا أحمد، ما تقول ؟ فيقول: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، فقال له أحمد ابن أبي دُؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ فقال الإمام أحمد: وهل يقوم الإسلام إلا بهما ؟ |
ثم أحضروه في اليوم الثاني وناظروه، وفي اليوم الثالث كذلك، وفي ذلك كله يعلو صوته عليهم وتغلب حجته حُجَجَهم، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها، وفي أثناء ذلك كله يتلطف به الخليفة، ويقول: يا أحمد أجبني إلى هذا، حتى أجعلك من خاصّتي وأفذ قيدك بيدي، فيقول: يا أمير المؤمنين يأتونني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبهم إليها. |
ورغب المعتصم في أن يخلِّي سبيله، فقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلَّي سبيله ويغلب خليفتين، فغضب المعتصم وقال : خذوه واسحبوه. واجلدوه. |
فجيء بالضرَّابين، فضربه أحدهم سوطين، فقال له المعتصم :شدَّ قطع الله يدك، وجاء الآخر وضربه سوطين، ثم الآخر كذلك، حتى أُغمي عليه وذهب عقله، فأرعب الخليفة من ذلك وأمر بإطلاقه إلي أهله، وكان جملة ما ضرب نيّفًا وثلاثين سوطا، لكنه كان ضربا شديدا جدا. |
ولما رجع إلى منزله جاءه الطبيب فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه، فلما عوفي جعل كل من آذاه في جل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى { وليعفوا وليصفحوا }[النور : 22] |
ثم لزم منزله وامتنع من التحديث. |
ولم يزل كذلك حتى مات المعتصم وولي الخلافة ابنه الواثق، فأظهر الفتنة واشتد الأمر على أهل بغداد، وأرسل إلى الإمام أحمد، أن : لا تساكنِّي بأرض ولا مدينة، فاختفى الإمام أحمد بقية حياة الواثق حتى هلك، وولي المتوكل على الله الخلافة، فاستبشر الناس بولايته، فقد كان محبا للسنة وأهلها، ورفع المحنة عن الناس، وكتب إلى الآفاق أن: لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن. |
ثم لم يلبث الإمام أحمد إلا قليلا حتى وافاه الأجل سنة 241 هـ، فرحمه الله رحمة واسعة. |
شرح المفردات |
|
الكلمة |
معناها |
استشهد | قتِل شهيدا. |
الطائفة |
جماعة من الناس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون به، ج طوائف. |
جلب الشيء جلبا |
ساقه من موضع إلى آخر (من بابي ضرب وقتل). واستجلبه : طلب أن يجلب إليه. |
عرّب الحكمة | نقلها إلى اللغة العربية. |
استحوذ على الشيء | استولى، استحوذ على فلان : غلبه. |
زاغ يزيغ زيغا وزيغانا | مال عن القصد، زاغ عن الطريق : عدل. (ويتعدى بالهمز). |
الثغر |
الموضع الذي يخاف منه هجوم العدؤ، ويكون على الحدود، ج ثغور. |
دنا منه يدنو دنوا | قرب، اقترب. |
نيِّف |
من واحد إلى ثلاثة، وما كان من أربعة إلى تسعة فهو بِضْع. ولا يقال "نيف" إلا بعد عقد نحو : عشرة ونيف، ومائة ونيف، وألف ونيف. |
تمارين |
||
1- | أجب عن الأسئلة الآتية : | |
أ- متى ظهرت الفتن والطوائف الضالة في المسلمين ؟ |
||
ب- إلام دعا المأمون ؟ ومن الذي زين له ذلك ؟ |
||
جـ- كم يوما ناظر المبتدعة الإمام أحمد ؟ ومن الذي غلب وعلا صوته؟ |
||
د- متى اشتد غضب الخليفة المعتصم على الإمام أحمد ؟ |
||
هـ- كم سوط ضرب الإمام أحمد ؟ وكيف كانت صفته ؟ |
||
و- بم كافأ الإمام أحمد كل من آذاه ؟ |
||
ز- ماذا قال الخليفة الواثق للإمام أحمد ؟ |
||
ح- من الخليفة الذي رفع المحنة عن الناس ؟ |
||
2- |
اشتق من مادة (ناظر) الكلمات المناسبة واملأ بها الفراغات : | |
أ- من الذين …………… الإمام أحمدَ أحمدُ بن أبى دؤاد. |
||
ب- هل تجوز……………… في الإسلام ؟ |
||
جـ- ……………… العالم الكبير النصارى. | ||
د- من ……………… المنصف؟ |
||
3- |
هات الفعل الماضي والأمر والمصدر من الأفعال الآتية : | |
يزيغ، يستدعي، يقرث، يكفم، يجعل، يفك، يزيد. |
||
4- |
حول ما تحته خط إلى مفرد وغير ما يلزم : | |
أ- قام رؤوس الشر ودعوا إلى معتقداتهم فظهرت الطوائف الضالّة. |
||
ب- وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها. |
||
جـ- خذوه واخلعوه واسحبوه. |
||
د- فجعلوا يتكلمون من هاهنا ومن هاهنا، وفي ذلك كله يرد عليهم الإمام وتغلب حجتُّه حججهم. |
||
5- |
هات عكس الكلمات التالية : | |
ظهر، أزاغ، امتنع، استمر، زاد، تلطف، فك، السنة. |
||
6- |
استعمل الكلمات والعبارات الآتية في جمل لكي يتضح الفرق بينها : | |
أ- نظر إلى ……………… |
أ- نظر في ………………… |
|
ب- دعا ………………… | ب- ادّعى ………………… | |
جـ- احتكم ………….… | جـ- حكم …………..…… | |
7- |
أعرب ما تحته خط : | |
أ- ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف. |
||
ب- فأرعب الخليفة من ذلك. | ||
جـ- جعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة. |
||
8- | أدخل كل كلمة مما يأتي في جملة مفيدة : | |
استجلب، استحوذ عليه، زين له، خلّى سبيله، أغمي عليه، نيف، آفاق. |
||
9- |
هات مفرد الأسماء الآتية : | |
سياط، آفاق، أرزاق، حجج، مسائل، روم. |
تدريبات صوتية |
|||
1 | تأمل وقارن : | د – ض | |
درب - ضرب | أدواء - أضواء | باد - باض | |
درّ - ضر | وديع - وضيع | عد - عضّ | |
دع - ضع | رداء - رضاء | روافد - روافض | |
2- |
تأمل وقارن : | ذ – ظ | |
|
ذفر - ظفر | نذير - نظير | فذّ - فظّ |
|
ذليل - ظليل | مذروف - مظروف |
بذّ - بظّ |
|
ذرّ - ظرّ | ناذر- ناظر | أفذاذ - أفظاظ |
3- | تأمل وقارن : | ر – ل | |
رام - لام | كريم - كليم | كافر - كافل | |
ريث - ليث | ارتقى - التقى | طور - طول | |
رجّ - لجّ | عَرِمَ - علم | شطر - سطل |
|
|
|
|
|
|
(1) إشارة إلى حديث رواه البخاري 48/131، عن حذيفة رضي الله عنه قال: "بينا نحن جلوس عند عمر. إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي جملا في الفتنة ؟ قال حذيفة : فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال عمر: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر. فقال حديفة : ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، وإن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح ؟ قال: لا سقط يكسر. قال عمر: إذن لا يغلق أبدا. قلت: أجل. قال شقيق: قلنا لحذيفة : أكان عمر يعلم الباب. قال. نعم. وسأله مسروق من الباب ؟ قال: عمر". |