الـدرس الأول

 

تفسير سورة الفاتحة

 

 

المفـردات:

الكلمة

معناها

الفَاتِحَة:

اسمُ فاعل من فَتَحَ يَفْتَحُ: أي آبْتَدَأَ يَبْتَدِئُ وسمِّيَت هذه السورةُ بذلك لأنها تُفْتَتح بها القِراءةُ في الصلوات وآفْتُتحَ بها المصْحَفُ.

اللَّه:

عَلَمٌ لِلرَّبِّ تبارك وتعالى. ويقال إِنَّهُ الاسمُ الَأعْظَم. ولَمْ يُسَمَّ به غيرُ اللّه تبارك وتعالى.

الرَّحْمَن الرَّحِيم:

اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ من الرَّحْمَة يدلان على سعة رحمته سبحانه وشمولها. والرَّحْمَن أبلغ من الرَّحيم ولم يُسَمَّ به غيرُ اللّه سبحانه وتعالى بخلاف الرَّحيم فقد وُصِفَ به بَعْضُ خَلْقِه.

الحَمْـد:

الثَّنَاء بالْجَمِيل، وهو أَعَمُّ من الشُكر، وضده الذَّمُّ.

رَبّ العالمين:

خَالِقُهم ورَازِقُهم ومُدَبِّرُ شئُونهِم. والعالمين جمع عَالَم وهو الخَلْق.

مَالِك:

المالِك والمَلِك والمَلِيك: صاحبُ المُلْكِ المتصَرِّفُ فيه.

يَوْم الـدِّين:

يَوْمُ الجَـزاء وهو يومُ القيامة. دَانَ فُلانٌ فُلاناً يَدِينُه بِمَعْنَى جَازَاه.

اِهْدِنَا:

دُلَّنا وَوَفِّقْنا.

الصِّراط المسْتَقِيم:

الطَّريق الواضِح الذي لا آعْوِجَاجَ فيه.

المغْضُوب عَلَيْهم:

أي الذين غَضِبَ اللّه عليهم وهم اليهود وأمثالُهم ممن عَرَفَ الحقَّ وتَرَكَه.

ولا الضّالِّين:

الضَالُّونَ هم الذين لم يَهْتَدُوا إلى الحقِّ وهم النَّصَارَى وأشباهُهم ممن ضَلَّ عن الصِّراط المستقيمِ.

 

الإِعـراب:

بِسْم: الباء حرفُ جرٍّ ، اسم: مجرور بالباء وهما متعلقان بمحذوف وهذا المحذوف إما أن يكون فعلا فالتقدير حِينَئِذٍ : أَبْتَدِئُ باسم اللّه أو أقرأ باسم اللّه، وإما أن يكون اسماً فالتقدير حينئذ: اِبْتِدائيَ باْسم اللّه أو قِراءَتَي باَسم اللّه. وتحذف همزة الوصل من "اسم " وتوصل اَلباء بالسين خَطّاً فيَ البسملة فقط.

العالمين: مُلْحَقٌ(1) بجَمْع المذكَّر السالم يُعْرَبُ إعرابَه فيُرْفَعُ بالواو وُينْصَبُ ويُجَرُّ بالياء.

إِيّاكَ نَعْبُدُ: إياك ضميرُ نصبٍ منفصلٌ وقع مفعولا به تَقَدَّم على فِعْلِه، وهذا من المـواضـع التي يجبَ أن يؤتَى فيهـا بضمير النصب منفصلا. وتقديمه يفيد القصر أيْ نَعْبُدُك ولا نعبد غيرَك، ومثله في ذلك إِياك نَسْتَعِينُ.

اِهْدِنَا: اِهْدِ فعلُ أمر ناقص يائيٍّ فهو مَبْنيٌّ على حذف الياء. والمراد به هنا الدعاء بطلب الهِداية وهذا الفعل قدَ يَتَعَدَّى بنفسه كـما في هذا المـوضع، وقد يتعدى بـ "إلى" كـما في قوله تعالى: {وإِنّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وقد يَتًعَدَّى باللاَّم كـما في قوله تعالى: { أَوَلَـمْ يَهْدِ لَهُمْ كَـمْ أهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِم مِنَ القُرُونِ }.

صراط الـذين أَنْـعَمْتَ عليهم: بَدَلٌ من الصراط المستقيم، أو عَطْفُ بَيَانٍ يُفَسِّرُه.

غَيْرِ: بَدَلٌ من الَّذين.

ولا: لا هنا بمعنى غَيْر وجِيءَ بها لتأكيد النَّفْيِ.

ما ورد في فَضْلِ سورة الفاتحة وأسمائها:

   ومن أسـمائهـا: أم القرآن - والسَّبْـع المثَانِـي - والحمد والشِّفاء - والواقية- والكافية- وأساس القرآن.

   وقد ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديثُ منها:

1- عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  قال له: لأُعَلِّمَنَّكَ أعظمَ سورةٍ في القرآن قبلَ أن تخرجَ من المسجد. قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول اللّه إنك قلت لأُعَلِّمَنَّـكَ أعظمَ سورةٍ في القـرآن. قال: "نعم. { الحمد للّه رب العالمين } هي السبـعُ المَثَـاني والقرآن العظيم الذي أُوتِيتُه " أخرجه البخاريّ وأحمد وأبو داودَ والنَّسَائِيّ.

2- وعن أُبَيّ بن كعب رضي اللّه عنه أن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال له: "أتُحِبُّ أن أُعَلِّمَك سورةً لم يَنْزِلْ في التوراة ولا في الإِنجيل ولا في الزَّبُور ولا في الفرقان مثلها؟" ثم وأخبره أنها الفاتحة. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

3- وأخرج مسلمٌ والنسـائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "من صلّى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاخٌ – ثلاثا – غيرُ تامّة". فقيل لأبي هريرة: إِنا نكون ورَاء الإِمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسوله اللّه صلى الله عليه وسلم  يقول: قال اللّه عز وجل: "قسمت الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَيْنِ ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قال العبد {الحمد للّه رب العالمين} قال اللّه: حَمِدَني عَبْدِي وإذا قال: {الرحمن الرحيمِ} قال اللّه:-*9 أَثْنَى عليَّ عبدي، فإذَا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجَّدَني عبدي، فإذا قال: {إِياك نعبد وإِياك نستعين} قال: هذا بيني وبـين عبـدي ولِعَبْدِي ما سأل فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أَنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال هذا لِعَبْدِي ولعبدي ما سأل".

إِلى غير هذا من الأحـاديث الكثـيرة الواردة في فضل هذه السورة العظيمة والتَي اختارها اللّه سبحانه لِتُكَرَّرَ في كلِّ صلاة بل في كل ركعة من ركعات الصلوات. واللّه الهادي إلى سواء السبيل.

تفسير السـورة:

قول اللّه تعالى: {الحمد للّه رب العالمين}:

الحمد للّه، ثَنَاء أَثْنَى اللّه به على نفسه، وفي ضمنه أَمَرَ عباده أن يُثْنُوا عليه فكأَنَّه قال: قُولُوا الحمد للّه. والحمد للّه: أي الشكر للّه خالصا بما أنعم على عِبَادِه من النِّعَم التي لا يُحْصِيها العَدَدُ ولا يُحِيط بِعَدَدِها إلاَّ الله وحدَه فالحمد للّه وحده.

{رب العالمين} الرب هو المالك المتصرف، ولا يُسْتَعْمَل لغير اللّه إِلا بالإِضافة فإذا أطلق فلا يقال إلا لِلّه عز وجل. والعالمين جمع عالَم وهو كل ما سِوَى اللّه عز وجل.

{الرحمن الرحيم} قد سبق تفسير هذا، وقال القرطبي: وصف نفسه بأنه {الرحمن الرحيم} بعد {رب العالمين} لأنه لما كان في اتصافه برب العالمين تَرْهيبُ قَرَنَه بالرحمن الرحيم لما تَضَمَّن من التَّرغيب ليْجَمَعَ في صفاته سبحانه بين الرَّهْبَةِ منه والرَّغْبَةِ إليه فيكون أعونَ على طاعته وأمنع من معْصيته، كما قال تعالى: {نَبِئْ عبادي أنِّني أنا الغفور الرحيم، وأنَّ عذابي هو العذاب الأليم} 49-50 من سورة الحجر.

وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحدٌ".

قوله تعالى: { مالك يوم الدين }.

أي مالك يوم الجزاء وهو يوم القيامة، وهو سبحانه له الملك كله في الدنيا والآخرة وحده لا شريك له وإنما خصَّ يوم الدين بالملك لأن ملوك الدنيا لا يدعون يومئذ ملك شيء ولا يتكلم أحدٌ إلا بإذنه كما قال تعالى: {…لا يَتَكَلَمون إلا من أَذِنَ له الرحمن وقال صوابا } الآية 38 من سورة النَّبأ.

قوله تعالى: { إِياك نعبد وإِياك نستعين }.

أي نَخُصُّـك وَحْـدَك بالعبادة ونخصك بالاستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعين إلا بك. والعِبادة: اسم جامع لكل  ما يحبه اللّه ويرضاه من قول أو فعل. وهي: ما يجمع كـمالَ المحبة والخُضُوع والخَوف والرَّجاء.

والاستعانة هي: التَّوَكُّل، وهذا هو كـمالُ الطاعة، والدِّين يرجِع كله إلى هذين المعنيين، فالأول {إياك نعبد} تبرؤه من الشرك. والثاني { إياك نستعين } تبرؤ من الحول والقوة إلا بالله رب العالمين. وتحول الكلام من الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات، وفيه فائدة أنه لما أثنى المؤمن على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله فخاطبه حينئذ عن قرب.

قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.

لما تقـدم الثناء على الله تبارك وتعالى ثم إخلاص العبادة له وتمام التفويض إليه نَاسب أن يعقِّب بالسؤال، وهذا أكملُ أحوالِ السائل أن يمدح مسئولـه بـما هو أهلُه ثم يسأل حاجته ولهذا أرشد اللّه إليه لأنه الأكمل. والهِداية: كـما وردت في القرآن الكريم هدايتان: هدايةُ إِرشادٍ ودلالة كـما في قوله تعالى: { وإنك لتهدي :إلى صراط مستقيم } وهداية توفيق كـما في قولـه تعالى لنَبيِّه صلى الله عليه وسلم أيضا: { إنك لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ ولكن اللّه يهدي من يشاء }. والمراد هنا الهداية الشاملة للأمرين جميعا أي يا رب دُلَّنـا على طريق الحق الطريق المستقيم ووَفِّقْنا لِسُلوكه لنَنْجُوَ من عذابك ونفوز برضاك. والمراد بالصراط المستقيم هو دين الإِسلام وهو الحق الذي لا يقبل اللّه من عبادهِ غيره. والدعاء هنا المقصود به الثَّبات والمُدَاوَمَة على الحق من المؤمنين المهتدين.

قوله تعالى: {صراط الذين أَنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين}.

وَصْفٌ للصراط المطلوب الهداية إليه في الـدعاء السابق، وهو الصراط الذي لا عِوَجَ فيه، الصراط الذي سلكه من أَنْعَمَ اللّه عليهم وهم: النبيون والصديقون والشُّهَدَاء والصالحون. كما في قوله تعالى: {ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فأولئك مع الذين أَنْعَمَ اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رَفِيقًا}.

وعن ابن عباس رضي اللّه عنهـما: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين.

وهو غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين علموا الحق وعدلوا عنه وهم اليهود كـما جاء في الحـديث ودلت عليه آيات القرآن، ولا صراط الضالين الذين فقدوا العِلْم فهم لا يهتدون إلى الحق بسبب جهلهم وهم النصارى. روى عن عَدِيِّ بن حاتم رضي اللّه عنـه أنه قال: سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} فقال: "هم اليهود"، {ولا الضالين} قال: "النصارى". رواه أحمد والترمذي من طرق. و"لا" في قوله: {ولا الضالين} تأكيد للنفي المفهوم من (غير).

فـائدة:

يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها (آمِين) وهو اسم فعل بمعنى (استجب يا رب) لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قال: "كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  إذا تلا {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول" رواه أبو داود وابن ماجة.

ما يستفاد من السورة:

اشتملت هذه السورة على:

1- حمد اللّه وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا.

2- ذكر المعاد وهو (يوم الدين) (يوم القيامة والجزاء).

3- إرشاد عباد اللّه إلى سؤاله والتضرع إليه والتبرؤ من حولهم وقوتهم.

4- إخلاص العبادة للّه وتوحيده بالألوهية وتنزيهه عن الشريك.

5- سؤال اللّه الهداية إلى الصراط المستقيم والتثبيت عليه حتى ينالوا رضوان الله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

6- التَّعَوُّذ باللّه من سلوك سبيل من غضب عليهم ولعنهم ومن ضلوا عن الحق ولم يهتدوا إليه.

 

 

المناقشـة:

 
 

1- اذكر أسماء سورة الفاتحة. ثم اذكر حديثين مما ورد في فضلها.

2- اشرح معنى الاستعاذة والبسـملة.

3- بين معنى قول الله تعـالى: {مالك يوم الـدين} وقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.

4- لم قدم المفعول على الفعل في قوله تعالى: {إِياك نعبد وإِياك نستعين}؟

5- اذكر ما يستفاد من السورة.

6- اشرح المفردات الآتية:

    الحمد – العالمين - يوم الدين – اهدنا - المستقيم.

 

 

 

 

 

 


 (1) و الملحق بجمع المذكر السالم: هو ما لا واحد له من لفظه أو له واحد من لفظه لكنه غير مستكمل للشروط. و شرط الاسم الذي يجمع مذكر سالما: إن كان جامدا: أن يكون علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث و من التركيب و إن كان صفة: أن تكون صفة لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث ليست من باب أفعل فعلاء و لا من باب فعلان فعلى و لا يستوي فيه المذكر و المؤنث. و أمثلة ذلك عشرون و أخواتها إلى التسعين, و أهلون, و أولو, و عالَمون و عِلِّيون, و سِنُون وبابه.