الدرس الثالث

 
 

(حماية المصطفى- صلى الله عليه وسلم- جناب التوحيد)

 

 

المدرس :

أخذْنا- في درس مضى- التوحيد وأنواعه الثلاثة. وفي هذا الدرس نريد معرفة المحافظة على جناب التوحيد.

ياسـر :

ما معنى جناب التوحيد، وحمايته؟

المدرس :

جناب التوحيد: مقام التوحيد ومنزلته، ومعنى حمايته: المحافظة عليه وحراسته والعناية به ودفع كل قول أو فعل يخالف التوحيد.

مبـارك:

كيف حافظ الرسول- صلى الله عليه وسلم- على جناب التوحيد؟

المدرس :

حافظ الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- على جناب التوحيد بأفعاله وأقواله، وكان حريصا على المؤمنين، فإذا حصلت أخطاء من بعض الناس في حقِّ التوحيد نراه يغضب للّه تعالى ولا يرضى لعباد اللّه الوقوع في الشرك مهما كان صغيراً أو كبيراً، وذلك رحمة بالمؤمنين حتى يستقيموا في توحيدهم للّه رب العالمين.

 

   قال اللّه تعالى: { لَقَدْ جَاَءكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْز عَلَيْهِ مَا عَنتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤِمْنِيْنَ رَؤوْفٌ رَحِيْمٌ ْ}. (الآية 128 من سورة التوبة).

أحمـد :

لمن الخطاب في قول اللّه تعالى: { من أنْفُسِكُم }؟

المدرس :

الخطاب في الآية للمؤمنين المتبعين للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- بدليـل قول اللّه تعـالى: {لَقَـدْ مَنَّ اْللّه عَلَى الْمُؤمِنِيْنَ إذْ بَعَثَ فِيْهمْ رَسُوْلاً مِنْ أنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ وإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِيْ ضَلالٍ مُبيْنٍ }. (الآية 164 من سورة آل عمران).

مسـعود:

ما معنى قول اللّه تعَالى: {عزيز عليه ما عنتم }؟

المدرس :

إن من معاني كلمة (عزيز): شديد. ومعنى (ما عَنِتُّم): ما أصابكم من شدة، فيكون المعنى العام: شديد على الرسول- صلى الله عليه وسلم- ويُحزنه وُقوعُكم في الحرَج والمشقَّة، وذلك بسبب مخالفة بعضكم لشرع اللّه.

سليمان :

لو نهاني أحد عن اعتياد زيارة قبر صديقي قائلاً: إنَّ اعتياد القبر يخالف جناب التوحيد. فهل هو على صواب؟

المدرس :

نعم. إنه على صواب في هذه المسألة، ودليله الحديث الآتي: عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم -: " لا تجعلُوا بُيوتكُمْ قُبوراً ولا تَجعلُوا قبرِي عيْداً وصلُوا عليَّ فَإنَّ صلاتكمُ تَبلُغني حيثُ كُنتُم ". (رواه الإمام أبو داود بإسناد حسن). فإذا كان النهي عن جعل قبر النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- عيداً، فكذلك القبور بصفة عامة يشملها الحكم.

محمـد :

كيف تكون البيوت قُبوراً؟

المدرس:

هذا تشبيه لحال البيوت بالقبور. فإن القبور لا يصلي الناس فيها، بل يصلون في المساجد جماعة. فإذا هُجرت البيوت بدون صلاة فيها- أي: صلاة النافلة-: تكون حالها كحال القبور. إذن، فعلينا أن لا نُصيِّر بُيوتنا مثل القبور بغير صلاةٍ فيها.

فيصل :

ما معنى جَعْلِ القبرِ عيداً؟

المدرس:

أُبيّن لك أولا معنى كلمة (عيدٍ ). إنها مأْخوذة من الاعتياد والمعاودة للشيء في وقتٍ مخصوص يتكرر كل أسبوع أو كل شهر أوكل سنة مثلا. ويُطلق لفظ العيد على الزمان والمكان. والاحتفال بمناسبة معينة مثل عيد الفطر وعيد الأضحى.

 

   ويحتفل بعض الناس بمناسبة وفاة شيخٍ عند قبره أو بمناسبة مولدِهِ، ويسمون هذا الاحتفال ذكرى أو مولداً.

 

   فلا يجوز مثل هذا الاحتفال، ويدخل تحت النهي في قول النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-: " لا تجعلُوا قَبْري عِيداً ". من البدع التي اتبعها الجاهلون عند القبور.

 

   قال الإمام ابن القيم- رحمه اللّه تعالى: " العيد ما يُعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان. مأخوذ من المعاودة والاعتياد. فإنْ كان اسماً للمكـان، فهو المكان الذي يُقْصَد فيه الاجتماع للعبادة أو غيرها. كما أن المسجد الحرام ومنى والمزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها اللّه عيدا للحنفاء (المسلمين) ومثابةً (معاداً). كما جعل أيام العيد فيها عيداً. وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما فرض اللّه دين الإسلام أبطلها وعوَّض الحنفاء بدلا منها عيدَ الفطر وعيدَ الأضحى وأيامَ منى. كما عوَّض أعيادَ المشركين المكانية بالكعبة ومنى والمزدلفة والمشاعر ". (انتهى مختصرا عن كتاب عون المعبود 6/ 32)

 

   إذن: فلا يجوز أن يتخذ الناس القبر عيداً، أي: مكانا يُزار على وجْهٍ مخصوص في زمن مخصوص. وإن معنى قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- "لا تَجْعلُوا قَبْريْ عِيداً" لا تُصَيِّروا قبري مثل العيد المكاني. وهذا النهي عن جَعْل القبر عيدا لا يعنى أن يُمنع الناسُ من زيارة القبر، فإن زيارة القبور جائزة، لكنْ لا نجعل لزيارتها أوقاتا مخصوصة من السَّنة أو الشَّهر أو الأسبوع مثلا كي لا تكون عيداً.

أسامة :

أمرنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث قائلا: " وصلُّوا عليَّ ". فما معنى هذا القول؟

المدرس:

معنى هذا الأمر: قولوا: ( اللَّهُمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ ) وهذا دعاء معروف عند جميع المسلمين. وإليكم الآن خلاصة الحُكم في زيارة القبور:

 

   لقد بيّن لنا المصطفى- صلى الله عليه وسلم - كيف نَحْذَرُ عندما نزور القبور بقوله: " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ". (رواه الِإمام مسلم).

 

   ولقد كانت الزيارة للقبور ممنوعة، ثم جاءت الرخصة بزيارتها فقال المصطفــى - صلى الله عليه وسلم-: "كُنتُ نهيتُكم عن زِيارةِ القُبُورِ فزوروها فإنَّها تُذكِّرُ الآخرة". (الحديث عند الإِمام مسلم والحاكم وابن ماجه).

 

   وعلى هذا الأساس فإن زيارة القبور تجوز. وهي من السُّنَّة، لكنْ من غير أن نجعلها عيدا- كما تقدم- وعند وصولنا إلى القبور نُسلِّم على أهلها اتباعا للسُّنَّة. وندعو اللّه لأهلها ونطلب لهم من اللّه الرحمة والمغفرة. وقد عَلَّمنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- صيغةً للسلام والدعاء في أثناء زيارتنا للقبور، فنقول: (( السَّلامُ عليكُمْ أهل الدِّيارِ من المُؤمنين والمُسلمين وإنَّا إنْ شاء اللّه للاحِقُون، أسألُ اللّه لنا ولكُمْ العافِية )) (رواه الإمام مسلم). وبعد الدعاء نخرج من المكان ولا نبقى وقتا طويلا فيه. وهذه الزيارة تُذَكِّرنا الآخرة والموت. وهي زيارة مشروعة مُباحة.

 

   أما الزيارة الممنوعة: فهي ما يفعله كثير من الجاهلين من أمور مخالفة للسنة. مثل: الصلاة إلى القبور أو الجلوس عليها، أو الاستعانة بأصحاب القبور أو وضع الأزهار والسراج عليها، وكذلك السفر من أجل القبور فهذا كله مخالف للِإسلام.

عيسـى:

قال المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: (( وصلُّوا عليَّ )) أيجب علينا أن نقول هذا الدعاء عند القبر فقط؟

المدرس :

كلاَّ. ألم تقـرأ في هذا الحـديث قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: " وصلُّوا عليَّ فإنَّ صلاتكُمْ تبلُغني حيثُ كُنْتُمْ ". أي سواء أ كنا قريبين من القبر أم بعيدين جداً، فإن هذا التسليم وهذه الصلاة سيبلغان النبي المصطفى- صلى الله عليه وسلم - بأمر اللّه تعالى وعلمه وهذا فضل مِن اللّه على نبيه وعلى المؤمنين.

 

   والآن- بعد أن عرفنا معنى المحافظة على جناب التوحيد- نذكر بعض الفوائد من هذا الدرس وهي كما يلي:

 

1- إنَّ الرسول محمداً- صلى الله عليه وسلم - بشر. أي إنسان من بني آدم، فضله اللّه تعالى بالرسالة، وقد حافظ على جناب التوحيد بقوله وفعله. ويُحزنه وقوعُ المؤمنين في مخالفة جناب التوحيد.

 

2- لا ينبغي لنا أن نُعطِّل بيوتنا من صلاة النافلة، حتى لا تكون كالقبور.

 

3- وأيضا تعلّمنا كيف نزور القبور. وماذا نقول عند الزيارة.

 

4- ثم إنَّ علينـا أن نحـذر ممـا يفعله بعضا الناس المخالفين للسنة عند زيارتهم للقبور.

 

(اللغـة)

حَرِيْصٌ :

محافظ/ كثير الرعاية. وضد كلمة (حريص): مُهْمِل. ومثال لها: محمد حريص على دروسه وأخوه مهمل لها.

النَّافلة :

العَطِيَّة عَنْ يدٍ ، والنافلة ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه. ومن ذلك نافلة الصلاة.

المَشاعَر:

المعالم التي نَدَبَ اللّه إليها وأمر بالقيام عليها، ومنه سُمِّي المَشْعَرُ الحرام، لأنه معْلمٌ للعبادة وموضع. والمشاعر: مواضع المناسك.

الحُنَفاء :

جمع حَنيف- وهو المائل إلى جهة دون غيرها. وسُمِّي المسلمونحُنفاء، لأنهم مالوا عن الشرك إلى جهة توحيد اللّه سبحانه وتعالى.

السِّراج :

المصباح المضيء، وجمعه: سُرُج.

اتَّخْـذ :

فعل ماضٍ متعدٍّ لمفعولين، وهو بمعنى: جَعَل وصَيّر. كقولك: لا تتخذ القبر عيداً.

البـدع:

جمع بدعة. وهي ما جاء على غير مثالٍ سابق. والزيادة على الدين مما ليس منه يقال لها بدعة.

 

- التدريب -

 
 

استعمل هذه الكلمات في جمل مفيدة:

   (حـريـص- حـنفاء- اتخـذ).

 

(المناقشة)

 
 

س 1:

قال الـنـبي- صلى الله عليه وسلم -: " لا تجـعلُوا بُيوتكُمْ فبـوراً...... " أكـمـل الحديث. مع الضبط بالشكل.

س 2:

رجل يصلّى إلى القبور. فما حكـم صلاته؟ اذكر الدليل على قولك.

س 3:

بيّن معنى (حِماية. المصطفى. جناب التوحيد. عيد. تبلغني. من أنفسكـم. حيث كنتم. عزيز. حريص).

س 4:

كيف حافظ النبي- صلى الله عليه وسلم - على جناب التوحيد؟

 

تحدث في هذا الموضوع بما لا يقل عن الصفحة.