الدرس الخامس |
|
(الاستسقاء بالأنـواء) |
|
المدرس: |
يصلى المسلمـون- في بعض الأوقـات- صلاة غيـر الفريضة تسمى (صلاة الاستسقاء). ومناسبتها: أنها يسألون اللّه تعالى أن يُنْزل إليهم المطر ليسقى العباد والبلاد، ويجددون التوبة إلى اللّه تعالى. وهذا عمل مشروع وفيه طلب للحاجة، والمطر من اللّه تعالى دون غيره. لكن هناك قوماً من بني آدم يسْتسْقون بالأنواء. |
محمـد: |
ما المراد بالاستسقاء بالأنواء؟ |
المدرس: |
إن كلمة (استسقاء): مصدر دخلت عليه الهمزة والسين والتاء للطلب، فأصل الكلمة: سَقْيٌ . والسِّقَايَة موضع السقْي. فإذا قلت: استسقى الطفلُ، أي: طلب منا أن نسقيه ماءاً. |
|
والأنواء: جمع نوْء، وهي منازل النجوم التي تُعْرف عن طريق النظر في سيرها، والحساب عند جريانها في السماء بأمر اللّه تعالى. |
|
وأصل الاستسقاء بالأنواء حاصل من عادات الجاهلية الأولى. لأن المشركين كانوا ينسبون نزول المطر إلى الأنـواء. أي: إلى منازل النجوم أو القمر. قال اللّه تعالى: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِبُونَ }(الآية 82 من سورة الواقعة). |
|
روى الإِمام أحمد وغيره عن ابن عباس- رضي اللّه عنهمـا- أنـه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "{ وتجْعلُوْن رزْقكُمْ } شُكْركُمْ أنَّكُمْ تُكذِّبُون وتقُوْلُوْن: مُطرْنا بنوء كذا وكذا وبنجْم كذا وكذا... |
|
فالمعنى على هذا: وتجعلون شكركم للّه على ما أنزل إليكم من الغيث والرحمة أنكم تُكذِّبون: أي تنسبونه لغير اللّه سبحانه وتعالى. |
يحيـى: |
نحمد اللّه الذي جعلنا مسلمين وأمرنا بدعائه، وأخبرنا بأنه يستجيب لنا إنْ صَدَقْنا مع اللّه في حياتنا كلِّها. لكن هل نتصور اليوم أنَّ هناك من ينسْب نزول المطر لغير اللّه؟ |
المدرس: |
نعم. هناك الكثيرون ممن ينسبون نزول المطر لغير اللّه تعـالى. وبسبب هذا، انْقَسَم الناس. فقومٌ مؤمنون يقولون: إنَّ الفضل من اللّه، وقوم كافرون ينسبون نزول المطر لغير اللّه تعالى. وذلك لجهلهم بتوحيد الربوبية. وعن زيد بن خالد الجهُنَي- رضي اللّه عنه- قال: " صلَّى لنا رسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم- صلاة الصُّبْح بالحُديْبية على إثر سماء كانتْ من الليْل. فلمَّا انْصرف أقْبل على الْنَّاس فقال: هلْ تدْرُون ماذا قال ربُّكُمْ؟ قالُوا: اللّه ورسُولُهُ أعْلمُ. قال: قال: أصْبح منْ عباديْ مُؤْمنٌ بي وكافرٌ . فأمَّا منْ قال: مُطرْنا بفضْل اللّه ورحْمته فذلك مُؤْمنٌ بي وكافرٌ بالْكوْكب. وأمَّا منْ قال: مُطرْنا بنوْء كذا وكذا فذلك كافرٌ بيْ ومُؤمنٌ بالْكوْكب " .(متفق عليه) |
عبد الرحمن: |
جاء في أول الحَـديث جملة: (( صلَّى لنـا )). أليست الصلاة للّه تعالى؟ |
المدرس : |
بلى. إن الصلاة لا تكون إلا للّه تعالى. لكن هنا جاز إطلاق اللام لتقوم مقام الباء. فيكون المعنى: (صلَّى بنا إماماً). وكانت تلك الصلاة هي صلاة الفجر، في مكانٍ يُقال له (الحُديْبيةُ)، وهذا موضع قُرب مكة، وفي تلك الليلة أنزل اللّه إليهم مطراً. |
أحمـد : |
ما معنى (على إثْر سماء)؟ |
المدرس : |
كانت صلاة الفجر على إثْر سماء، أي: بعد نزول مطر من السماء بفضل اللّه ورحمته. |
بشـير : |
ما معنى قول اللّه تعالى- في الحديث القدسي-: " أصْبحَ منْ عَباديْ مُؤْمنٌ بيْ وكافرٌ "؟ |
المدرس : |
معنى هذا القول: أنه انقسم الناس إلى فريقين (مؤمنون وكافرون)، فالمؤمنون يردّون الفضل للّه تعالى في نزول المطر، وأما من قال: إنّ الأنواء أمطرتهم فهو كافر، ومكذب إذ ينسب نزول المطر لغير اللّه تعالى. |
ياسر : |
إذا كانت النجوم أو الأنواء لا تُنْزل المطر، فما فائدتها إذن؟ |
المدرس: |
إنَّنا آمنا بأن اللّه هو الذي يُنْزل الغيث، وأن اللّه هو خالق النجوم، وخالق كل شيء. وأن النجوم لا أَثر لها في إنزال المطر، بل إن اللّه هو الذي سخّر النجوم وسيَّرها في السماء. قال الإِمام البخاري- رحمه اللّه تعالى- في صحيحه: قال قتادة: " خلق اللّه هذه النُّجُوْم لثلاثٍ : زيْنةً للسَّماء الدُّنْيا، ورُجُوماً للشَّياطيْن، وعلاماتٍ يُهْتدي بها، فمنْ تأوَّل فيْها غيْر ذلك، أخْطأ وأضاع نصيْبهُ وتكلَّف ما لا علْم لهُ به "./ اهـ. |
|
ومن هذا النص نستفيد بأن النجوم لا دخل لها في نزول المطر. إنها: (زيْنة ورُجُومٌ وعلاماتٌ ). |
فيصل : |
ما معنى كلمة (رُجوم)؟ وما معنى (علامات)؟ |
المدرس: |
معنى الرُّجوم: جمع رجْمٍ، وهو ما يرسله اللّه تعالى من السمـاء فيصُيب به الشيـاطين، فيقضى عليهم. وأما العلامات: فهي الدلالات التي يستدلّ بها المسافر ليُحدد جهة سفره براً أو بحْراً، فمن تأَوَّل، أي: فسَّر النجم بغير ما ذُكر، فإنه قائل على اللّه ما لا علْم له به. وضال عن سواء السبيل. |
مبـارك: |
يقول بعض الناس: إنه من وُلد بنوء كذا أو في بُرج كذا فحظه سعيد. فهل هذا صحيح؟ |
المدرس : |
لا يعلم غيب السموات والأرض إلاّ اللّه. فالحظ السعيد علمه عند اللّه. ثم إنَّ البروج- كما علمت سابقاً- لا تملك نفعاً ولا ضرّا. ولا تُغير في حظوظ الناس، بل علينا أن نجدَّ ونجْتهد ونسعى نحو الحصول على السعادة من فضل اللّه، ونعمل بالأسباب المشروعة التي نأمل أن توصلنا لسعادة الدنيا والآخرة. ولا ننظر إلى من يقرأ الحظ ويتَّبع البروج ويعتمد عليها. إن المؤمن القوي يبتعد عن مثل هذه الأكاذيب وأفكار السوء، ويلتزم بالكتاب والسنة، وليعلم كلّ منَّا أنه: ما شاء اللّه كان وما لم يشأْ لم يكن. |
|
والآن نريد من يذكر لنا بعض الفوائد من هذا الدرس. |
يونـس: |
استفدنا من هذا الدرس أموراً عظيمة منها: |
|
1- إن اللّه هو الذي يُنْزِل الغيث، فلا يجوز لأحدٍ أن يَنْسِب نزول المطر إلى النجوم ونحوها. |
|
2- عرفنا الفرق بين قول أهل الجاهلية وقول المسلمين عند نزول المطر. |
|
3- خلق اللّه النجوم: زينةً للسماء الدنيا، وعلاماتٍ يُهتدى بها، ورُجوماً للشياطين. |
|
4- إن حظوظ الناس لا ترتبط بالبروج والأنواء. |
(اللغـة) |
|
مُطِـرْنا: |
فعل ماضٍ مبني للمجهول بمعنى: أُنْزل إلينا المطَرُ. |
تَكَلَّفَ : |
تَحَمَّل ما لا يستطيع أداءَهُ من فعلٍ أو قولٍ إلاّ بالتعب الشديد. |
تـأوَّل : |
فسَّرَ، وهذا فعل ماضٍ مصدره: تأوُّلُ: أي تفسير. |
حـظ : |
نصيبٌ وقسْمةٌ ، وجمعه حُظوظ. |
البروج : |
جمع بُرْج: وهو منزل النجم أو القمر في حساب الأيام والأشهر والسنين. |
- التدريب- |
|
استعمل هذه الكلمات في جمل مفيدة: |
|
(مُطرنا- حـظ- الـبروج).
|
(المناقشة) |
|
س 1: |
اذكر معنى الاستسقاء بالأنواء. ثم بين حكمه مع ذكر الدليل. |
س 2: |
ماذا يقول أهل الجاهلية عند نزول المطر؟ وما الواجب علينا أن نقول إذا نزل المطر؟ وأي القولين فيه شرك؟ ولماذا؟ |
س 3: |
بيّن معنى (الأنْواء. مُطِرْنا. الحُديْبية. تكلَّف. حـظ). |
س 4: |
عن زيد بن خالد الجُهني- رضي اللّه عنه- قال: صلَّى لنا رسوْلُ اللّه صلى الله عليه وسلم- صلاة الصُّبْح… " أكمل النص. مع الضبط بالشكل. |