الدرس الثامن

 
 

(طاعة العلماء والأمراء)

 
 

المدرس :

اعلموا أَيها الطلاب الأعزاء أَنه من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلَّ اللّه أو تحليل ما حرمه اللّه فقد اتَّخذهم أرباباً من دون اللّه.

يحيـى :

مَن العلماء والأمراء؟

المدرس :

العُلماء جمع عالم. وهو من تعلم أموراً من علوم الدين كالفقيه، وعمل بما يُصلح نفسه والناس، والأمراء جمع أمير، وهم الحُكَّام الذين يحكمون البلاد.

يونـس:

ما معنى كلمة (أرباب)؟ وكيف يكون العلماء والأمراء أربابا؟

المدرس :

إن كلمة أرباب هي جمع (رب). والرب هو المالك والمتصرف في الأمر والنهي وفي كل شيء. وإذا أطلق اللفظ فهو للّه رب العالمين. ويكون العلماء والأمراء أرباباً من دون اللّه إنْ أمروا الناس بما يخالف شريعة اللّه سُبْحانهُ وتعالى. كجعْل الحلال حراماً والحرام حلالاً، ونحن نعلم أن شرع اللّه لا يجوز تغييره، فكأنهم جعلوا أنفسهم أربابا من دون اللّه، ولا يجوز لهم أن يكونوا كذلك، لأنهم شرعوا للناس ما لم يأذن به اللّه تعالى.

محمـد:

هل حصل في قوم مثل هذه الحال؟ أعنى: الطاعة بما يخالف الدين؟

المدرس:

أجل. لقد حصل في بني إسرائيل مثل ذلك. فاتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللّه. والحديت الآتي يذكر تلك الحال التي كانوا عليها.

 

   فعن عديٍ بن حاتم- رضي اللّه عنه- أنَّهُ سمع الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم- يقْرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْبَاباً مِنْ دُوْن اللّه... }.(الآية 31 من سورة التوبة).

 

     قال عدىٌّ - رضي اللّه عنه-: قُلتُ لهُ: إنّا لسْنا نعْبُدُهُمْ! قال: " أليْس يُحرِّمُون ما أحلَّ اللّه فتُحرمُوْنهُ ويُحلُّوْن ما حرَّم اللّه فتُحلُّونهُ؟ قُلْتُ: بلى. قال: فتْلك عبادتُهُمْ ".(رواه الإِمام أحمد والترمذي).

 

   وفي هذا الحديث يخبرنا عدي بن حاتم- رضي اللّه عنه- أنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ تلك الآية من القرآن الكريم، والتي فيها ذكْر اليهود والنصارى الذين اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون اللّه.- والأحبار جمع حبرٍ ، وهم علماء اليهود، والرهبان جمع راهبِ، وهم علماء النصارى- اسْتفْهم- رضي اللّه عنه- مَن النبي - صلى الله عليه وسلم- مُنْكِراً عبادة اليهود والنصارى للأحبار والرهبان، ظنا منه أنّ العبادة تكون بالركوع والسجود والتقرب لهم بالذبح وغيره. فأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن طاعتهم لهم التي كانت في تحريم الحلال وتحليل الحرام هي عبادتهم من دون اللّه. وذلك لأنهم جعلوهم شُركاء مع اللّه في الطاعة والتشريع. وتركوا ما أمرهم اللّه به من التوراة والإنجيل.

يحيـى:

أنفهم من هذه القصة أننا لا نطيع أحدا في كل شأن؟

المدرس:

كلا. وإليك البيان الآتي: قال الإمام الشافعي- رحمه اللّه تعالى-: " أجمع العلماء على أن من استبانت (أي: ظهرت) له سنة رسول اللّه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أنْ يدعها (أي: يتركها) لقول أحد "./ أهـ. إن طاعة العلماء والأمراء واجبة علينا فيما أباحه اللّه وأحلَّه، وممنوعة فيما حرَّم. ثم إن طاعتهم بالمعروف من طاعة اللّه تعالى. قال اللّه تعالى: { يأيُّها الذين آمَنُوا أطِيْعُوا اللّه وأطِيْعُوا الْرَّسُولَ وأُوْلىِ الأمْرِ مِنْكُمْ فإنْ تَنَازَعْتُمْ فيِ شَيء فردُّوهُ إلى اللّه واْلرَّسُول إنْ كُنْتُمْ تؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأحْسَنُ تَأوِيْلاً} (الآية 59 من سورة النساء).

 

   وعن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ألْه قال: " على المرْء الْمُسْلم الْسَّمْعُ والْطَّاعةُ فِيْما أحبَّ وكره إلاّ أنْ يُؤْمر بمعْصيةٍ . فإنْ أُمر بمعْصية فلا سمْع ولا طاعة ".(متفق عليه).

عبد الرحمن:

لو أُمرْتُ بفعل شيء أراه حسناً لكنه مخالف للسنة وعملت به طاعةً للأمير واحتراماً له. فهل علي إثم؟

المدرس :

أجل. إن الإثْم يقع على كل من يخالف المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وقصد طاعة غيره. ثم إن طاعة الرسول- صلى الله عليه وسلم- هي الدليل الواضح والبرهان الأكيد على المحبة الصادقة، لأن من شروط المحبة الصادقة للمرسلين: طاعتهم واتباعهم بكل ما جاء في رسالتهم من عند اللّه تعالى. وتكون طاعة العلماء والأمراء تبعاً لطاعة المرسلين التي هي- أوَّلاً وآخراً- طاعة للّه سبحانه وتعالى. وعلى هذا الأساس، فإن ميزان المحبَّة يكون عادلا إذا حصل الاتبِّاع الصحيح. قال اللّه تعالى: { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوَبكُمْ واللّه غَفُوْرٌ رحِيْمٌ }. (الآية 31 من سورة آل عمران)

ياسـر :

هل ورد في السُّنَّةِ حديث يتضمن معنى هذه الآية؟

المدرس :

نعم. لقد ورد في السُّنَّةِ أحاديث كثيرة تحمل معنى هذه الآية. منها الحديث الآتي: عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " لا يُؤْمنُ أحدُكُمْ حتى أكُوْن أحبَّ إليْه منْ ولده ووالده والنَّاس أجْمعيْن ".(متفق عليه)

 

    وإذا كان الِإيمان يتوقَّفُ على محبة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- فإن المحبَّة تتوقَّف- كذلك- على اتِّباعه والمحافظة على ما جاء به من عند اللّه سبحانه وتعالى. فما من خير إلاّ دل عليه وأمر به، وما منْ شرٍّ إلاّ نهي عنه وحذَّر منه قال اللّه تعـالى: { وَمَـا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوىَ. إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَى}. (الآيتـان 3-4 من سورة النجم). وبعـد هذا البيـان الواضح في محبة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ووجوب طاعته يتبيّن لنا أنه لا يجوز للمسلمين طاعة أحد يُخالف شرع اللّه وسواء أكان من العلماء أم من الأمراء.

مبـارك:

أيحق للعالم والأمير أن يضعا تشريعاً نعمل به زيادة على ما جاء في الكتاب والسنة؟

المدرس :

لا يجوز للعالم والأمير أن يضعا تشريعا زيادة على ما جاء في الكتاب والسنة. واعلم- أيضاً- أن العلماء والأمراء هم قادة الأمـة، وعليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستقيم أمر البلاد والعباد، وهنا تجب علينا طاعتهم كما ذكرت لكم سابقا، أي: في حدود الشرع. أمَّا إذا أحْدثُوا في الدين ما ليس منه، فلا نقبله.

 

   وعن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسوْلُ اللّه - صلى الله عليه وسلم-: " منْ أحْدث في أمْرنا هذا ما ليْس منْهُ، فَهُو ردٌّ ".(متفق عليه)

أحمـد:

ما معنى (أحْدث)؟ وما معنى (فَهُو ردٌّ )؟

المدرس:

إليك شرحاً موجزاً لمعنى هذا الحديث. إنه من جاء بشيء حَدَثٍ (جديْـدٍ ) وأراد أن يجعله في هذا الدين الإسلامي، وهو ليس منه، ومخالف له، فهو مردود على صاحبه، غير مقبول. نسأل اللّه أن يُعيننا على اتباع المصطفى- صلى الله عليه وسلم- في كل أمور ديننا، وأن نعمل على طاعة العلماء والأمراء بما يوافق الإسلام.

 

   والآن نذكر بعض ما يستفاد من هذا الدرس:

 

1- إن بنى إسرائيل جعلوا الأحبار والرهبان أرباباً من دون اللّه، بسبب تحريمهم الحلال وتحليلهم الحرام، وطاعتهم في ذلك.

 

2- إن الإسلام أمرنا بطاعة العالم والأمير في المعروف.

 

3- إن اللّه هو الذي يَشْرَعُ الأحكام ولا يجوز لنا تغييرها.

 

4- إن محبة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- تكون باتباع السُّنَّة، وترْك البدْعة .

 

 

(اللغـة)

اتَّخـذوا :

 جعلوا وهذا فعل ماض مسند لضمير الجماعة الغائبين. وهو متعد لمفعولين. كقولك: اتخذتُ الإسلام ديناً، واتَّخذت طلب العلم طريقاً.

أنْكَـر :

رفض، ولم يوافق، والمصدر: إنكار.

الشريعة :

ما سن اللّه من الدين وأمر به، فهو شريعة وشرع.

أولو الأمر :

أصحاب الشأن. الآمرون، وهم الحكام أو الأمراء.

تنـازعتم :

اختلفتم في مسألة، والمصدر: تنازُعٌ .

أحسن تأويلا:

أفضل مرجعاً وتفسيراً.

المعصية :

مخالفة الأمر وفعل المنهي عنه. وضدها: الطاعة واتباع الأمر وترك المنهي عنه.

 

 

- التدريب -

 
 

استعمل هذه الكلمات في جمل مفيدة:

   (أنكـر- أولو الأمرِ- تنازعتم).

 

(المناقشة)

 
 

س 1:

 من العلماء والأمراء؟ تحدث باختصارٍ عن طاعتهم في الإِسلام على هدْي الكتاب والسنة.

س 2:

اشـرح قول اللّه تعالى: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباَ من دون اللّه}. ذاكراً لقوم الذين فعلوا ذلك.

س 3:

وضح كيف تكون محبا للرسول محمد- صلى الله عليه وسلم-، واذكر أدلةً على ما تقول.

س 4:

بيّن معنى ما يلي: (اتَّخذُوا. أحْبارٌ . رُهبانٌ . أُمراء. عُلماء. أرْبابٌ . تنازعتم. البدْعة).